الثلاثاء، 30 نوفمبر 2010

النبي الديمقراطي

بعد أن قضى النجار على جميع الحركات المناوئة لحكمه، أحكم قبضته على طول البلاد وعرضها وبسط سيطرته بالنار والحديد.
خرج ذات يوم متنكراً يطوف القرى المجاورة يجالس الناس مستطلعا أرائهم بحُكمه وعيشهم. فما كان يسمع سوى كلمات الرضا والحمد على عيشهم والتبجيل والتعظيم لهذا القائد الفذ الذي أنقذهم من براثن الجهل والتخلف وأنار لهم طريق الهدايه برسالته المجيدة. كانت الكلمات تصل إلى مسامع جدي كمعزوفة لحن جميل تزيد من غروره فحاول أكثر من مرة المجاهرة بحقيقته في تلك المجالس لكنه سرعان ما كان يتراجع في اللحظات الأخيرة, فمازال يسمع كلمات المديح والقداسة لشخصه المجيد التي صنعت منه طاووسا نافش الريش يختال بين الناس لا ير أحدا أمامه بمجده وعظمته حتى قادته قدماه إلى إحدى القرى التي امتازت عن غيرها من القرى بجدية قاطنيها وابتعادهم عن مجالس أللغو وتفرغهم للعمل والإنتاج فما كان احد منهم يجالسه أو يبادله أطراف الحديث, كان الجميع ينصحه بالبحث عن عملا يقوم به انفع له من هذا الكلام الفارغ أو التوجه إلى حكيم القرية عله يقدم له نصحاً ينفعه في حياته. امتعض جدي من هذا الكلام فمتى أصبح الحديث عنه وعن أعماله بالكلام الفارغ, ومن هناك أعلم واخبر منه في تقديم النصح والإرشاد إلى الناس كافة. كان يعزي نفسه بالقول: لابد أن هذه القرية تعيش في عالم غير عالمنا! لكن الفضول دفعه للسؤال عن هذا الحكيم وأين يجده؟ فقيل له أنه عادة ما يجلس تحت ظل شجرة الزيتون قرب نبع الماء, توجه جدي لمقابلة ذلك الحكيم ليعرف سره وما يكن له في صدره؟ ! وعند وصوله لذلك المكان شاهد رجلاً نائماً تحت ظل الشجرة وقد وضع على وجهه منديلاً وحجراً تحت رأسه. ناداه جدي قائلاً: يا هذا أأنت حكيم هذه القرية ؟؟ رفع الحكيم المنديل عن عينيه ونظر إليه قليلاً ثم أعاد المنديل كما كان دون أن يتلفظ ببنت شفة. زاد ذلك من غيض جدي فما بال الرجل لا يعطيه حقه من الوقار والاحترام فقال له : يا هذا أنا النجار سيد هذه البلاد وحاكمها جئتك اليوم طالباً نصحك فهل من نصيحة تقدمها؟؟
هذه المرة أزاح المنديل عن وجهه فبانت ملامح وجهه الهرمة وبريق الفطنة والذكاء تشع من عينيه ثم اعتدل في جلسته ونفض بعض الغبار العالق على ملابسه وتمعن النجار جيداً ثم أشار له بيده وقال: لو سمحت أن تبتعد قليلاً فأنت تحجب عني نور الشمس.
غادر جدي القرية ولم يرق له هذا الكلام فهو من أتى بنور الهداية فكيف تجرأ وتطاول هذا الكهل عليه وعلى رسالته, وفور وصوله إلى منزله استدعى مجلس الشورى وقص عليهم ما كان من ذلك الحكيم. انتفض أبو مرضي من مكانه متأهباً للخروج وقال: والإله لأذهبن إليه في التو والساعة واضرب عنقه حتى يكون عبرة لكل من تساوله نفسه التطاول على النجار.
النجار: يا أبا مرضي ما شككت يوماً في حبك وإخلاصك لي وللرسالة, ولكن يجب أن نكون أكثر حكمة فماذا سيقول الناس عنا إذا قتلنا رجلاً كهلاً لا حول له ولا قوة؟
أبو مطاوع: بأبي أنت وأمي يا نجار, ما يسرني أن أهل البلاد قد استشرفوك وولوك على مالهم وأنفسهم بكل طيب خاطر, فدعك من كلام ذلك الزنديق والإله ما نطق إلا كفراً وما أدعى إلا زوراً.
النجار: أيها الصحابة الأجلاء لقد دعوتكم اليوم كي تشيروا علي كيف نحل هذه المشكلة؟
ذو الشمعتين: -أستغفر الاله العظيم- نحن نشير عليك! وقد أوتيت من العلم ما لم يبلغه بشر.
أبو مرضي: الاله وأنت أعلم بأمورنا, فلا علم لنا سوى ما علمتنا, مرنا ما تريد ونحن ننفذ سامعين طائعين.
بعد أن غَلُبَ النجار معهم قال: حسناً ما رأيكم أن نعطي مساحة من الحرية للناس للتعبير عن رأيها ....
أبو مطاوع: ولكني أخشى أن تتمادى في رأيها فما زالوا جهله لا يروا ابعد من أنوفهم فتضيع دنياهم وآخرتهم.
ذو الشمعتين: والإله أني لأخشى أن ينفض القوم من حولنا فلا يبقى احد معنا.
النجار: لا عليكم ستكون لفترة وجيزة فإن حادوا عن الطريق القويم رددناهم. ادعوا جميع علماء المستعمرات المجاورة ويسروا مهامهم وقدموا لهم كل ما يحتاجون من الأموال اللازمة لأبحاثهم ودراساتهم.
بعد مرور زمناً ليس بطويل على حياة الديمقراطية داخل البلاد عاد أبو مطاوع إلى النجار ليقول: أيها الصادق الأمين, لقد وقع ما لم يكن بالحسبان, لقد خرجت علينا مجموعة من النساء تطالب بحقوقها, وكأنها شريكة لنا في الغزو والدفاع عن الدعوة.
النجار: يا أبا مطاوع المرأة صديقة الإنسان فامنحوها نصف ما له من الحقوق وستكون سعيدة راضية بما حققت.
أبو مطاوع: حفظك المولى وأدام عزك ورعاك فو الله ما كنت إلا نصيراً لكل مظلوم. ثم صمت قليلاً وتابع ... هناك أمر حدث أيضاً لا أدري كيف أحدثك به؟
النجار: تكلم لا عليك يا صديقي فناقل الكفر ليس بكافر.
أبو مطاوع: لقد بدأ بعض الأشخاص بانتقادك وانتقاد حكمك ويقولون انك إنسان فاشي قمعت الناس وأذللتهم وتعديت على أموال غيرك دون وجه حق.
استشاط جدي غضباً وامتلأ قلبه حقداً على هذه الفئة الضالة المضللة وقال: يا أبا مطاوع دع أبو مرضي يعاقب هؤلاء الأشخاص بما يمليه عليه ضميره. أكتب وأبلغ الناس أن شتم النجار أو نقده ذنب لا يغفره الاله حتى ولو تاب وأستغفر, وهي جريمة يقام الحد عليها, وكذلك فمن يتعرض للصحابة بالقدح أو الذم أو حتى النقد, يعتبر خارج الملة ودمه مهدور, كما أن جميع التجمعات, والأحزاب قد حرمت, ومن يتدخل بالأمور السياسية والاجتماعية ولاقتصادية دون إذن ولي الأمر يعاقب حسب جرمه, وما دون ذلك فلهم كامل الحرية بالنقد وإبداء أرائهم.
أبو مطاوع: والإله انك احرص منهم على أنفسهم, ففضلت عليهم بفيض قلبك ورحمتك وهم لا يعلمون.
النجار: ليس لي طمعاً في هذه الحياة سوى مرضاة الاله وصالح الناس, لا طمعاً بمال أو جاه.
فاضت الدموع من عيني أبو مطاوع وقال: بأبي أنت وأمي يا نجار.
بعد إصدار القوانين والتشريعات الجديدة ونشرها بين الناس عبر وسائل الإعلام المتاحة آنذاك, كرس الناس جل اهتمامهم بنقد الأطعمة والأشربة وبيان مساوئها وحسناتها وألفوا الكتب والمجلدات بهذا الخصوص. وفي بعض الأحيان نقدوا سياسة المستعمرات المجاورة وسوء أحوالها الاجتماعية والسياسية بينما كتب البعض الآخر عن مآثر جدي وتضحيته. أما من الناحية العلمية فما زالت الاكتشافات والأبحاث متواضعة لا ترقى للمستوى المطلوب مقارنة مع التضخيم الإعلامي والتبجح المستمر حول تشجيعهم للعلم والعلماء كونها المستعمرة الوحيدة التي مدت يد العون والمساعدة وهيأت لهم الظروف المناسبة للقيام بأبحاثهم ودراساتهم على أرضها.
وفي إحدى الأيام بينما كان مجلس الشورى مجتمع في مقره يناقش أحوال الرعية أقتحم أحد العلماء خلوتهم متجاوزاً سكرتيرة المجلس وهو يقول بكل فرح وسعادة: وجدتها ....وجدتها..
النجار ما التي وجدتها أيها العالم وجعلك تقتحم اجتماعنا من دون إذن؟؟
أخرج العالم قبعة كانت داخل كيس بيده وقال: لقد وجدت هذه أيها النجار الكريم!
ذو الشمعتين: لقد وفرنا لك المال والمأكل والمشرب ووهبناك أجمل جوارينا, وفي النهاية تخرج علينا وقد وجدت قبعة يعتمرها نصف أهالي المستعمرة! الم تجد شيئاً أفضل تبشرنا به؟
أبو مرضي: والإله اعتقدت انه وجد سلاحاً يدب الرعب في قلوب أعدائنا.
العالم: لو سمحتم لي أن أبين كيفية عمل هذه القبعة, فهي لست كباقي القبعات...
النجار: اذن اخبرنا بماذا تختلف عن باقي القبعات؟
العالم: على القبعة من الأمام ثلاثة ألوان ولكل لون دلالة على مستوى الذكاء فعندما تضع القبعة على رأسك وأشتد اللون الأخضر دل انك شديد الذكاء بينما الأصفر يشير إلى الذكاء المتوسط واللون الأحمر على الغباء.
أبو مطاوع: هل أنت واثق من اختراعك هذا؟ أم أنها مجرد لعبة أطفال!.
العالم: بل واثق كل الثقة بإنجازي هذا وسأثبت لكم كلامي.
وضع العالم القبعة على رأسه فأشتد اللون الأخضر وتابع قوله إلى أبو مطاوع... الآن تستطيع أن تضعها فوق رأسك وتتأكد.
أبو مطاوع: لا أقيس شيئاً قد وهبني إياه الاله بحساب.
وضع العالم القبعة في منتصف الطاولة وقال: هذه هي لمن يرغب أن يجربها وخرج تاركاً الصحابة وقد خيم على الاجتماع الصمت المطبق وهم يتبادلون النظرات بين القبعة وما بينهم متسائلين من يجرؤ أن يضع القبعة على رأسه؟
اخترق الصمت صوت ذو الشمعتين قائلاً: هذه بدعة وكل بدعة ضلالة,وأحسن أبا مطاوع بقوله لا أقيس شيئاً وهبني إياه الاله بحساب. كان موقف جدي محرجاً للغاية وعيون الصحابة ترقبه تنتظر منه الجواب فرغم علمه المسبق انه أذكى منهم , لكن ماذا لو جرب وأشتد اللون الأصفر؟؟ أيعقل أن يكون ذلك العالم اشد ذكاءاً منه ؟ ماذا لو اكتشفوا مدى غبائهم؟ فكر ثم فكر وأخيرا قال: هذا رجس من الشيطان فاجتنبوه, لا يوجد علم سوى ما علمتكم وما أتى به العلماء إنما هو سحر من الشيطان، ثم نظر إلى أبو مرضي وتابع: يا أبا مرضي أما زلت تنوي قتل ذلك العجوز الحكيم؟
أبو مرضي: والإله لو أذنت لي لأذهبن له في الحال
النجار: قد أذنت لك فاذهب وأتني برأسه

هناك 4 تعليقات:

حزين على المسلمين يقول...

مرحبا عزيزي
اقترح أن نتبادل الروابط بين مدونتينا
ولقد أضفت رابط مدونتك إلى شريط المدونات الصديقة لدي.

دمت بخير
حزين على المسلمين
http://sadformuslims.wordpress.com/

سالم يقول...

الاخ العزيز حزين على المسلمين
شرف كبير لي ان نتبادل روابط المدوناتنا معا وارجو قبولي صديقا في مدونتك

غير معرف يقول...

الشرف لي بمعرفتك سيد سالم

أجمل تحياتي

حزين على المسلمين يقول...

الشرف لي بمعرفتك سيد سالم

أجمل تحياتي