الخميس، 25 يوليو 2013


هروب ميت

بقلم : سالم النجار 

         ليست قصة من قصص ألف ليلة وليلة ولا هي من أساطير الأولين ولا حلم راودني ولا هذيان أصابني، هي قصة حقيقية مائة في المائة من بدايتها وحتى نهايتها، نعم لا يوجد شوهد, ولا يوجد أي إثبات على صحة ما ادعي, لكن قولنا نحن أحفاد الأنبياء يتسم بصدق والأمانة فلا يحتاج إلى شهود أو إثبات الواقعة. القصة بدأت حين قرع جرس باب الشقة الساعة الثانية بعد منتصف الليل قبيل أن استسلم للنوم بشكل كامل، نهضت من فراشي متثاقلاً وجلست على حافة السرير وأنا أتمتم بكلام لا يليق أن أتفوه به وأنا بكامل وعي الآن لكن، لك أن تضع نفسك مكاني لتتوقع ما كنت أقول، ثم بدأت رحلة العذاب نحو باب الشقة، شعرت أن المسافة من غرفة النوم إلى باب الشقة تقاس بالكيلومترات وتحتاج إلى زمن يقاس بالساعات، لكن بإصراري المتذمر تحديت النعاس والكسل وصارعت المسافة والزمن حتى انتصرت ووصلت إلى الباب, وما أن فتحت الباب حتى وقع نظري على فتاة جميلة في العقد الثالث من عمرها, أنستني عذاب تلك الرحلة الطويلة ودبت الحياة من جديد في عروقي وفر النعاس مني بادرتني بابتسامة جملية لتقول: مساء الخير ... آسفة على الإزعاج... إن لم أكن غلطانة هذا منزل السيد سالم النجار؟ نظرت إليها وأنا لا اصدق عيناي فتاة بمنتهى الرقة والجمال والأناقة تأتي منتصف الليل لتسأل عني!!! يا لي من رجل محظوظ، نظرت إلى عيناها الواسعتان وقلت: لا مش غلطانة ممكن اعرف مين حضرتك؟ ودعوتها للدخول وأقفلت الباب خلفها,عندما وصلت منتصف غرفة الجلوس وقفت واستدارت نحوي وهي تقول: لا داعي لتعرفني، لأن لقائنا لن يطول ولن نلتقي بعد اليوم. أنا: أمرك عجيب تأتيني بعد منتصف الليل وتزعجيني وتزعجي أهل بيتي ولا ادري ماذا ستقول الآن زوجتي عندما تراك!!! وأنت لا تريدي أن تعرفي على نفسك!!! هي: نعم لا داعي لتعرف من أنا ولا تقلق لن تسمعني ولن تراني زوجتك, فقد متُ منذ عشرة أيام... واليوم فررت من قبري لأراك. كلماتها سقطت كالصاعقة على مسامعي وتوقف الدم في عروقي ولم تعد قدماي قادرة على الصمود أكثر فتوجهت إلى اقرب كنبة والقيت نفسي عليها وأنا مصدوماً دون أن أتفوه ببنت شفة ... بينما الأفكار تتصارع في رأسي, وأنا أتسأل أيعقل ما تقول تلك الفتاة؟ أين حارس المقبرة؟ وكيف غافلته وفرت؟ بل أين منكر ونكير؟ وأين أصواتهما التي كالرعد القاصف وأعينهما كالبرق الخاطف؟ هل تقاعسا عن أداء عملهما؟ وأين الثعبان الأقرع؟ وكيف نفذت من أنيابه؟ أم أنها ما زالت في البرزخ تنتظر الحساب؟ وقاطعت أفكاري بقولها: ما بال وجهك اصفر ويداك ترتجفان! ولسانك انعقد!... لا تخف لا أريد بك شراً بعد أن سمعت كلامها اطمئن قلبي قليلاَ أو بصراحة أكثر استسلمت للأمر الواقع فلم يعد لي قدمان تحملاني ولا حتى نفس ولا مجال للفرار. لذلك قررت الاستمرار في الحديث فقلت لها: لكن كيف استطعتي الهروب من القبر رغم الحراسة المشددة؟ الفتاة: لا....لا يا سالم لقد خذلتني يا حفيد الأنبياء!!! لكن دعني أقول لك كيف, إله أجدادك لا يهمه من المرأة إلا جسدها أما روحها ونفسها فلا تعني له الكثير, وها أنا قد تركت جسدي بين يديه ليتفحصه فإذا كان مصوناً عفيفاً فيا فرحتي ستكون جائزتي الزواج من فحل مؤمن يختارني من بين جميع النساء, يشير بإصبعه فقط وعلي أن أطيع كي أصبح رقماً من أرقام ً زوجاته أما مشاعري وأحاسيسي فلا قيمة لها أنا: ولماذا فررت إلي؟ الفتاة: جئتك لأقول لك إني اكره أجدادك أنا: لا اعتقد انك تحديت كل تلك المتاعب.. وعانيت كل تلك الصعاب وأصبحت مطاردة من حرس المقبرة والأمن الإلهي وجميع من في السماء والآن تم التعميم عليك على كافة النقاط الحدودية السماوية لتقولي هذا الكلام!!! الفتاه: تصور... كل هذا لأقول لك أنا اكره أجدادك ومن أرسلهم ... لن استطيع الموت بسلام وتلك الكلمات عالقة في جوفي .. كلمات لم استطع البوح بها وأنا على قيد الحياة لأريح ضميري, أما الآن فقد أغُلق الكتاب وختم بالشمع الأحمر وتخلصت من جميع قيود أجدادك السلف والخلف الصالح وأصبحت حرة . أنا: انك تتحاملين كثيراً على أجدادي فما قدموه عبر التاريخ من بطولات وتضحيات لإخراج الناس من الظلمة إلى النور... الفتاه : يا ريت تركونا في الظلام يا أخي اشرف مئة مرة من النور الذي أخرجونا إليه! أنا: المفروض أنك من الشاكرين بعد أن أعادوا للمرأة كرامتها ومكانتها في المجتمع! نظرت إلي والشرر يتطاير من عينيها وتقدمت نحوي بخطى سريعة، عندها عاد شعوري بالخطر وبدأ قلبي يرتجف وتضاعفت نبضاته، فما كان مني إلا الإسراع بتذكيرها بوعدها... الفتاه: أية كرامة وأية حقوق تتكلم عنها؟ ... إذا كانت الواحدة منا محاصره في المنزل والعمل والشارع,لا تستطيع التعبير عن نفسها ومكنون صدرها وضعتم القيود والسلاسل بأيدينا وأرجلنا وقلتم لنا انطلقن!! لماذا الرجل لا يعيبه العيب؟ وكل زلاته مغفورة؟ أنا: عزيزتي الجواب بسيط, في مفهومنا الشرقي المفتاح ألذي يفتح جميع الأقفال يسمى- ماستر كي- هذا هو الرجل. أما القفل ألذي تفتحه جميع المفاتيح لا حاجة لأحد به وهذه هي المرأة هذه المرة اعتقدت إنها لا محالة ستنكث الوعد بعدما رشقتني بنظراتها الغاضبة لكنها والحمد الله التزمت به مرة أخرى الفتاة: الأقفال التي أغلقت عقولكم صدأت مُنذ قُرون وهي بحاجة إلى كسر لا مفاتيح, وما دمتم تعتقدون أننا أنصاف رجال بالشهادة والميراث... وأنا لا اعترض , إذن لماذا لا يكون لنا نصف ما للرجل في الزواج فيكون لزوجتك زوجان ولها نصيب بخمسة وثلاثين من غلمان الجنة.... انتفضت من مكاني كثور هائج مائج واندفعت نحوها بكل عزيمة وإصرار محاولاً الإمساك بها لكنها اختفت فجأةً تفقدت المكان من حولي فلم أجد لها اثر فتناولت كوب ماء كان على المنضدة ورشفة منه جرعة وإذا بصوتها خلفي تقول: الحقيقة بعض الأحيان مّرة ولا بأس بقليل من الماء حتى تخفف حدة مرارتها .... هل احضر لك ليموندا؟ التفت إليها وقلت أنا: لقد تماديت كثيراً...انتهى الكلام بيننا رجاءاً عودي إلى قبرك لا أريد أن اسمع منك المزيد الفتاة: أنا لم انهي بعد كلامي, أرجوك اسمعني أنا لا أسعى لنفسي فقد مت وانتهى أمري ,لكن هناك من يعاني يصرخ ويستنجد فمد له يد العون والمساعدة أنا: ما هي قصتك وماذا تردين مني تحديداُ؟ الفتاة: قصتي بدأت حين أحببت شاباً تعرفت عليه صدفة في الكلية رغم حقدي على جميع الرجال بعدما عايشت معانة أمي مع أبي التي لم تقتصر على الإهانات والشتائم بل تعدها إلى الضرب باليدين والعصا وحين طلقها لم يدري أحدا ما هو سبب الطلاق, هذا العنف حتى لو اختلفت أنواعه كانت السمة السائدة داخل مجتمعنا فكان أكثر ضحاياه الأطفال والنساء والجلاد هو الرجل, لذلك قررت عدم الزواج كي لا أنجب ظالماً أو مظلومة, لكن الحقيقة لم استطع منع نفسي ومشاعري من حب ذلك الشاب, وما زلت أتذكر أول يوم كيف جائني مسرعاَ وقدم لي وردة حمراء وقبل أن أتفوه بكلمة لاذ بالفرار فقد لحق به حارس الحديقة مهدداً متوعداً,تلك الوردة كشفت ذاتي ومشاعري أخرجتني من عالم الكآبة والاضطهاد إلى عالم آخر جميل شعرت أني الأهم والأجمل وزادة ثقتي بنفسي, لا اعلم كيف تغير العالم من حولي وكيف تغير كياني أصبحت أحب جميع الناس وأغفر لكل من أساء إلي, حينها شعرت بمعنى الحب وماذا تعني المحبة , عشت ذلك الحلم الوردي بضعة شهور وأيام. وحين اكتشف أبي علاقتي بذلك الشاب انهال علي بالضرب والشتم وهو يصرخ : بنات أخر زمن ... ما عنا بنات تحب!!! منعني من الخروج وبقيت حبيسة المنزل لا احد يزورني ولا ازور, وكنت يومياً أمني نفسي أن ألقاه لدقائق أو لحظات لأقول له: أني على العهد باقية. لكن كل تلك الأماني ذهبت أدراج الريح حين وافق أبي على تزوجي من قريب له رغم انه متزوج ولديه ثلاثة أطفال بطبع دون استشارتي, برأيه كان هذا الحل الأمثل ليستر على فعلتي!!!. إلا يكون العقاب على قدر الذنب؟؟ وهل أذنبت فعلاً حتى استوجب العقاب؟؟. لم يكن قرار الرفض أو القبول بيدي فذهبت إلى بيته ذليلة مكسورة القلب والوجدان. لم أشأ أن أبدء الحياة مع زوجي وقلبي ما زال معلقاً بشخص أخر, صارحته بحقيقة مشاعري وطلبت منه أن يمهلني بعض الوقت ويساعدني كي أنساه. لكن على ما يبدو قرعت الباب الخطأ وقبل أن انهي كلامي معه انهال علي بالضرب والسب والشتم وطردني خارج المنزل وأغلق الباب, فعدت إلى منزل أهلي اطلب العدل والإنصاف, لكن الحال في منزلنا كان اظلم بكثير فقد استقبلني أبي بالسب والشتم والضرب ولم تقوى زوجة أبي بمنعه عني وكان كلما أراح نفسه قليلاً ازداد شراسة وهو يصرخ لماذا عدتي ؟ ماذا فعلتي؟ ثم تناول سماعة الهاتف وهاتف زوجي ودار بينهم حديث لا اذكر منه شيئاً سوى نهاية الحديث عندما سقطت سماعة الهاتف من يد أبي وهو يردد ابنتي عاهرة, صرخت على الفور أبي أرجوك اسمعني لا تصدق, لكن لا احد يريد أن يسمع مني, فكانت تلك أخر كلماتي شعرت بعدها إنني اسقط في بئر عميق ليس له قرار وأنا أمد يدي طالبة النجاة وعيناي تراقب بقعة ضوء أخذت تتلاش شيئاً فشيئاً حتى اختفت, ومازلت اصرخ أبي أرجوك... أرجوك اسمعني توقفت عن الكلام وجلست على الكنبة ووضعت رأسها بين كفيها, وأخذت تمسح الدموع التي انسكبت على خديها ,كنت اجلس على الكنبة المقابلة مرتبكاً ابحث عن كلمات تواسيها وتخفف من ألآمها ,فكرت أن اعتذر منها لكن هل تكفي كلمة آسف؟؟ وهل تعيد لها ما قد خسرت؟؟؟, فكرت أن أقدم لها بعض المناديل لتمسح دموعها لكن لو مسحت ما سقط، ما الذي سيجفف الدموع بعينيها ؟ وبينما أنا غارق في التفكير اقتحم المكان رجل ضخم بشع المنظر وهو يصرخ أين هي؟ أين هي؟ ثم توجه نحوها وامسك يدها وجذبها بقوة نحوه حتى أسقطها أرضا ثم عاد من جديد وأمسك شعرها وجرها خارج المنزل وهو يصرخ: كيف تخرجين من القبر دون محرم

ليست هناك تعليقات: