الخميس، 23 أكتوبر 2014

بابا بابا الله خذلني



كعادته كان جالساً يلهو بألعابه المفضلة على جهاز الكمبيوتر ويداه الصغيرتان تتجول بين أزرار لوحة المفاتيح وعيناه شاخصة على الشاشة ويصرخ بأعلى صوته يا رب يا رب.... بعدها صمت قليلاً ونظر باتجاهنا أنا ووالده وقال باللغة العربية الفصحى بصوت خافت ذليل: بابا الله خذلني!! لم استطع أن امسك نفسي من الضحك والقهقهة بصوت مرتفع، طفل لم يتعدى عمره بعد العشرة سنوات من أين تعلم كلمة خذلني؟؟ وهل يعلم فعلاً معناها؟ اعتقد انه يعلم جيداً معناها فما قالها إلا حين خسر اللعبة. وبعد أن تمالكت نفسي من الضحك فكرت في أبعاد تلك الكلمات ومعانيها التي خرجت من فاه طفل صغير لم تكتمل مداركه بعد ومازال عقله في مرحلة النمو والتطور. لا واللات والعزى فما نطق الطفل عن الهوى إنما هو وحي يوحى، فأين ذهبت آيات صاحب الحق ألحصري للنشر التي حفظها عن ظهر قلب في حصص الدين واللغة العربية والاجتماعيات والعلوم ولو قليلا لوضعت في منهاج اللغة الانجليزية. وأين تلك الأدعية ذهبت؟ دعاء الصباح والمساء دعاء ما قبل الأكل ودخول الحمام ودعاء النكاح ودعاء الكروان... وأين قصص ألف ليلة وليلة عن المعجزات وقصص الأنبياء؟ كلها أصبحت لا تساوي عنده شيء بعد أن سقطت أمنياته وتحطمت أحلامه المبعثرة. بابا بابا الله خذلني! فلو قال خذلني أخي أو ابن عمي أو جاري أو ..أو... لذهبنا وعاتبناه كيف يخذل طفل صغير ... لكن اليوم من هو خاذله؟ من منا يستطيع أن يعاتب خاذله؟ أو حتى يعلن تضامنه مع الطفل الصغير! لعمري لو سمع علماء الأمة الأبرار العاكفين ليلا نهاراً بالبحث والتنقيب عن ما هو مسند صحيح وما هو مدسوس من الأحاديث التي كان لها الأثر الكبير على تقدم الأمة ورفع شأن العلم والعلوم فبفضلهم ها هي مكوكاتنا الفضائية تجوب الفضاء لتثبت للعالم أن القمر قد انشق قبل 1400 سنة وهاهي مآثرهم في تطوير الأسلحة وعملهم الدؤوب لإعادة فتح الأندلس. ولا ننسى فتوحاتهم العلمية واكتشاف أهمية إرضاع الكبير وبول البعير واعجازات أخرى طبية وفيزيائية واجتماعية ورياضية والكثير الكثير التي لا تعد ولا تحصى أذهلت العالم والعلماء فاعترفوا صاغرين وخروا أمامهم خاشعين.

لو ردد هذا الطفل أمامهم الله خذلني ماذا سيقولون؟ أنا أتوقع الإجابة التالية: لا يا حبيبي الله لم يخذلك الله يحبك لقد صنع هذا ليمتحنك. وإذا أجاب الطفل: كم من مرة يجب أن أخوض الامتحان؟ إجابتهم معروفة الله اعلم. وهنا ينتهي النقاش وتسند إلى "لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم". الأمور أصبحت في علم الغيب ولا يعلم بالغيب إلا صاحب الغيب. وإذا تمادى في أسئلته اُتهم والديه بالتقصير بتربيته. كان يجب أن يضرب كي لا ينشأ فاسقا ويتعلم أن لا يكرر هذه الأسئلة لا الآن ولا في المستقبل، فهم لا يكتفون بالقمع الفكري بل يتعدون ذلك للإيذاء الجسدي والنفسي. كلا أيها الأجلاء لن اعترض سبيله وسأتركه مع ملاين الأطفال كالشوكة في عيونكم والغصة في حلوقكم.

كلام هذا الطفل ذكرني بقصة رواها لي احد المؤمنين السابقين قال: كان عند ابن الجيران دراجة هوائية أحببتها فطلبت من والدي أن يشتري لي واحده مثلها فقال اطلب من الله أن يرزقك مثلها فهو سميع مجيب ورزاق كريم أما أنا فلا املك ثمن دراجة. سمعت كلام والدي ولمدة شهر كَامل وان أدعو ليلا نهاراً أن احصل على دراجة. في البداية وضعت لها مواصفات إضافية حتى تفوق دراجة ابن الجيران، وكلما تأخر في الاستجابة كنت أتنازل عن بعض الإضافات يومياً حتى وصلتُ إلى مرحلة اليأس، لكني تذكرت ان الله غفور رحيم فسرقت الدراجة واستغفرت ربي. هذا هو الحل السليم والأسهل عندما يخذل الله الطفل!!!

بابا الله خذلني أطفال الفلاحين والمعدمين والطبقة الكادحة لا يحلمون بأكثر من حذاء جديد أو معطف يقيهم برد الشتاء أو لعبة يلهون بها أو وجبة طعام قد سمعوا عنها أو شاهدوها، أطفال لقطاء ومشردين مسحوقين ومعدومين يحلمون ببيت صغير يؤويهم، أحلامهم الصغيرة لا يعجز عنها من رفع السماء دون عمدان واخرج الحي من الميت وشق القمر والبحر واغرق فرعون وجنده، وأنقذ إسماعيل من الموت عطشا وانزل على بني إسرائيل المن والسلوى، ألا يستحق أطفالنا ممن ولدوا دون ذنب من رحم المجاعة والكوارث، نظرة عطف وحنان في الصومال وجنوب السودان وهاييتي وغيرها من البلدان، لمعجزة كأس ماء نظيف وكوب حليب الكل منهم يحلم بالبيت والدواء ألا يستحق أن ينام أطفال فلسطين والعراق بأمان دون إزعاج القنابل والصورايخ. طفل يصارع الموت، وأخر شوهته الحروب والصراعات، وطفل ولد مشلولا، الكل يحلم أن يبرأ هل هذا كثيراً؟؟؟ ألا يحق لهم القول بابا بابا الله خذلني!!!

لكني اليوم سأحطم جدار الصمت واخرج مع كل أطفال العالم المحرومين والمنكوبين واشد على أيديهم ونرفع سوياً شعار"يا أطفال العالم اتحدوا" واخرجوا للساحات والشوارع واملؤا الجبال والتلال والسهول والهضاب والوديان وارفعوا قبضة أياديكم الصغيرة نحو السماء واصرخوا بأعلى صوت وزلزلوا الأرض حتى تخرج براكينها ورددوا معاً بابا بابا الله خذلني.... بابا بابا الله خذلني...


ليست هناك تعليقات: