الأحد، 11 أغسطس 2013

كابوس يوم الجمعة

كابوس يوم الجمعة


بقلم سالم النجار

فإذا جاء يوم الجمعة فر الأطفال من بيوتهم كفئران مذعورة تطاردها لجنة مكافحة قوارض البلدية ، فتجد من يندفع من باب المنزل والبعض يقفز من فوق السور، وصراخهم يملئ المكان يحثون بعضهم بعضا على سرعة مغادرة الحار قبل فوات الأوان، اغلبهم حفاة عراة لا يكسو أجسادها الصغيرة سوى قطعة صغيرة من ملابسهم الداخلية ، وأفرهم حظا من وجد الوقت الكافي لحمل بنطال أو بلوزة أو حذاء لارتدائها حين تسنح الفرصة بذلك . والأمهات خلفهم يركضن صارخات وملوحات بأيدهن داعيات أطفالهن على اقل تقدير انتعال الحذاء، لكن هيهات من ينظر إليهن أو يسمع كلامهن فلا مجال ولا وقت لديهم وإلا وقعوا ضحية كابوس يوم الجمعة. هذا المنظر الصاخب أصبح مؤلفا بل وروتينيا أيام الجمع لأهالي الحارة فلا شي جديد ولا شي مستغرب هي القصة ذاتها تتكرر في نفس اليوم من كل أسبوع، فهم أصبحوا يعلمون أن الأطفال قد استعدوا جيدا واعدوا العدد ورسموا الخطط للخروج من هذا اليوم بسلام وان أي خطأ يقع يكون مسؤولية الفرد نفسه ومجوعة التنفيذ غير مسئوله بتاتا إذا هي قامت بكل المطلوب منها بالشكل الصحيح وبالوقت المناسب . أما حيثيات الخطة فكانت تقوم على أساس تقسيم الأطفال المناوبين تلك الجمعة إلى مجموعتين لمراقبة مداخل الحارة الجنوبي والغربي ، وثلاث مجموعات متجولة بين البيوت يكون عدد كل مجموعة ثلاث أشخاص بالإضافة خمسة مراسلين مهمتهم تمرير المعلومات ما بين فرقتي المراقبة وفرقتي المراقبة والفرق المتجولة . يبدأ تنفيذ الخطة عند مشاهدة أو سماع جرس الدراجة الهوائية للمطهر، تقوم مجموعة المراقبة بعد التأكد مباشرة بإبلاغ المراسلين اللذين بدوهم يقومن بتمرير المعلومة لمجموعة المراقبة الثانية والمجموعات المتجولة التي تأخذ على عاتقها الهرولة بين البيوت معلنة حضور المطهر ، وحسب الخطة المنصوص عليها خصص لكل مجموعة مكونه من خمس أطفال مكان اختباء خاص على أطراف الحارة وذلك لتفادي سقوط عدد كبير من الضحايا . وتطالب الخطة من الجميع الالتزام وعدم مغادرة أماكنهم لحين إعلان لجنة المراقبة عن مغادرة المطهر ارض الحارة و زوال الخطر . بعد التأكد أن الوضع أصبح آمانا نعود لنجتمع جميعنا من جديد في مجموعة واحدة للعود إلى الحارة وحناجرنا تصدح بأناشيد الفرح والنصر وعيون أهل الحي تلاحقنا بنظرات الحيرة والسخرية ولسان حالهم يقول يا للعجب خرجتم مذعورين مرعوبين وتعتقدون أنكم عدتم منتصرين!! ولسان حال الأطفال يرد وما نفرق نحن عن باقي العرب فوسائل إعلامهم تعج بأناشيد انتصارات لم نراها يوما قط !! المهم أن المطهر لم ينل مبتغاة ، تماما كما تحاول وسائل الإعلام إقناع الرأي العام أن العدو لم ينل من صمودها!! .
من المؤكد أن كل هذا التكتيك لم يحول دون سقوط الضحايا بأيدي السفاح كما كان يدعوه الأطفال ، وكنا نعزيها عادة لأسباب عدة منها التلكؤ بمغادرة المنزل أو الجشع بسب وعد ما وأحيانا لظروف خارجة عن إرادتهم وغيرها من الأسباب التي قد تخفف عنا ، وكنا نعزي أنفسنا بالقول وقوع الضحايا متوقع ووارد ولا بد منه فلا يوجد شي كامل، إنما الكمال لله ، القلق الحقيقي الذي كان ينتابنا إذا زاد عدد الضحايا عن الحد المتوقع فهذا دليل على فشل الخطة ومع ذلك لم نفكر يوما بتغيرها أو إضافة أي تكتيك جديد عليها أو عمل خطة بديلة للحالات الطارئة، فهذا أقص ما لدينا وما توصلت إليه عقولنا آنذاك. حين وقعنا بالمصيدة واقتدنا إلى مصيرنا المحتوم ، عندها فقط أدركنا متأخرين بأننا لسنا الوحيدين القادرين على التخطيط والتكتيك فهناك من يتابع ويراقب وقادر على اصطيادنا بسهولة بشكل فردي أو جماعي ما دمنا لا نملك أي بديل.

وكبرنا وعادة أيام الجمع تجمعنا وبقيت طريقة تفكيرنا هي هي.......
سالم النجار

ليست هناك تعليقات: